أعاجيب التلاميذ وغرائبهم...
في الحياة نماذج من البشر.. غريبة الأطوار ، متباينة المشارب ، كان من قدرها أن تكدح وتسعى منذ نعومة أظافرها إلى اقتحام ظلام الجهل ومتاهات الأمية من داخل ثكناتها التي قد تبدو لها بمثابة معسكرات اعتقال يسهرعليها ضباط مجندون وفي الخدمة..
وليست هذه النماذج إلا ناشئتنا من التلاميذ والطلبة .. وليست المعسكرات سوى مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية ..
فما وجه الغرابة والعجب لدى هؤلاء...؟؟
عرقلة سير الدروس
في الحقبة الاستعمارية وخلال المرحلة الابتدائية، بمدرسة درب مولاي الشريف بالدارالبيضاء.. كنا في مستوى القسم النهائي . وكان الشغل الشاغل لبعض تلامذة القسم محاولة عرقلة سير الدروس بلا ضجيج أو عراك أو تهريج.. كان الأسلوب شيطانيا. كانوا يحضرون معهم من ضواحي المدينة نبتة يطلقون عليها "الحزّاقية"..لشدة رائحتها الكريهة.. وهي بحجم حبة العدس.. يحكونها بأقدامهم ثم يضعونها تحت قوائم الطاولات فتنتشر رائحتها في أجواء الفصل على الفور؛ وما أن تلج المدرسة الفرنسية إلى الفصل حتى تضيق أنفاسها وتختنق وتشرع في الصياح بلكنتها الفرنسية : ما هذه الرائحة الكريهة..! ما هذا الدنس..! تبا لكم أيها الملاعين الأوغاد.. من المشاغب..الفاعل..؟؟
ثم تخرج زجاجة عطرها باحثة في أرجاء القسم بمقلتيها الدامعتين عن مصدر الرائحة..
وفي المراحل المتقدمة من التعليم الثانوي مثلا ، يلجأ التلاميذ المعرقلون وقبل حضور المدرسين والمدرسات، إلى وضع مسامير أو دبابيس الطبعة على كراسيهم أو الرسم عليها بأقلام ملونة أو على مقاعد التلميذات أحيانا في الأقسام العلمية رسوما لا أخلاقية ومسيئة للأدب تجعلهن في حرج من أمرهن، وتجعل المدرس أكثر تبرما من الشروع في الدرس إلا بعد تدخل الإدارة للبث في الأمر.
وقد حدث في بعض مستويات المرحلة الثانوية أن شاهدت امرأ عجيبا ، وذلك أن ثلة من التلاميذ كانوا يصطادون حشرات وخنافيس فيكسونها بعجين اسود مرن ويصنعون لها ذيلا مقوسا ملتويا فوق ظهرها فتبدو تماما مثل العقارب وهي تتحرك ثم يضعونها على مكتب المعلمة .. وبمجرد ولوجها للقسم ويقع بصرها على الحشرات تصرخ صرخة مدوية في ذهول متراجعة للخلف...
الفوضى والتهريج
التلاميذ وبالأخص الصغار منهم هم بطبيعتهم حركيون ولا يركنون للهدوء حتى في وجود المدرس. و من ثمة، لا يتوقفون عن التهريج وإحداث الفوضى والشجار وخاصة عند التواني عن ملء أوقاتهم بالعمل وأخذهم ببعض الصرامة اللازمة في حدود معينة .
أذكر أن مدرسا من مدرسي اللغة العربية في الثانوي كان رجلا قوي الشخصية وله خبرة واسعة بمادته.. وكنا نكن له الاحترام والتبجيل. وإذا حدث ثمة شغب أو فوضى حاول الحد من ذلك أحيانا بحنكته وأدبياته وحكمته، وأحيانا أخرى بصرامته المعهودة إذا لزم الأمر . كان لا يفتأ يردد على مسامعنا المثل الشائع : « إن البراميل الفارغة هي التي تحدث الضجيج».. واللبيب بالإشارة يفهم.. !!
وفي بعض الأقسام المجاورة لنا تتعالى صيحات التلاميذ إلى حد يضطر فيه المعلم إلى توقيف الحصة واستعمال العصا في حق المهرجين أو طردهم خارج الفصل الدراسي أو اللجوء للإدارة.. وهو أسلوب لا ترتضيه هذه الأخيرة..
تلاميذ مشاغبون
|
التقليد وتقمص الشخصيات
أكثر ما كان يستهوينا في المراحل الإعدادية والثانوية في المقام الأول هو تقليد مُدرسينا، وفي الدرجة الثانية شخصيات الأبطال والمشاهير وغيرهم..
فقد كان بعض الموهوبين من التلاميذ يستغلون فرصة تأخر المعلمين أو خروجهم من الفصل لمأرب خاص ليقوموا إلى السبورة متقمصين شخصياتهم في طريقة إلقاء الدرس صوتا وحركة، أو الظهور بمظهر المؤنب الثائر أو المبتهج المهنئ، أو يعمدون إلى تقليد بعض المطربين والمطربات، فتتعالى تصفيقات زملائهم ويغرقون في ضحكات هستيرية تثير الانتباه.
وكان بعض أساتذة التربية الدينية يطالبون التلاميذ الذين يحسنون التجويد بقراءة ما تيسر من آيات الذكرالحكيم، فيعمد الموهوب إلى تقليد الشيوخ المقرئين وخاصة منهم عبد الباسط عبد الصمد الشهير في المشرق أو بن موسى المعروف في المغرب، عند ذاك تستبد بالجميع نوبة خشوع إلا ثلة منهم لم تكن تقوى على التوقف عن الوشوشة والتحكم في ضحكاتها المتقطعة..
وكان البعض يجيد الحركات البهلوانية لمهرجي السيرك .. يروح ويغدو ويقفز فوق المصطبة أمام السبورة بخفة القط وطلاقته دون أن تسمع له صوتا..
مواقف خارج الفصل الدراسي
إن تغيبات المدرسين لسبب خاص أو لمرض أقعدهم عن العمل لبضعة أيام هي بالنسبة لمعظم المتعلمين صغارا وكبار فرصة ثمينة للراحة والتخلص من شرنقة وضغوط التعلم.. فتراهم وقد بدت على وجوههم أسارير الابتهاج ؛ حتى إن الكبار منهم ليخفون حقيقة مشاعرهم بالتساؤل عن أحوال أساتذتهم المتغيبين وعن يوم حضورهم..
وهناك مشهد عجيب يتكرر يوميا لدى المستويات الدنيا من التلاميذ كأقسام التحضيري والابتدائي الأول.. فما ان يعلن الجرس عن انتهاء الحصة الصباحية أو المسائية لمغادرة المدرسة حتى تراهم يندفعون من شدة فرحتهم من حجراتهم الدراسية وصراخهم يملأ أرجاء المكان كسرب من العصافير انطلق من توه كالسهام على اثر طلقة قناصة.
نماذج من مواصفات لأعاجيب وغرائب التلاميذ
هناك نماذج من مواصفات لأعاجيب وغرائب التلاميذ والطلبة في جميع المراحل الدراسية إن على مستوى السلوك أو المظهر.. استقيتها وزمرة من زملاء المهنة من وقائع التجربة المعاشة داخل المؤسسات التعليمية على امتداد سنوات عديدة من ممارسة العمل..
التلميذ المُجتهد
إنه يعرف كل شيء عن كل شيء .. يحصل على 19/20 في كل الفروض ، يقفز من على كرسيه بمجرد أن يحصل على إجابة سؤاله للمعلم. يرفض رفضًا قاطعًا مساعدتك في واجباتك المدرسية ، ويستمتع بتصحيح أخطائك في اللغة الفرنسية الشفوية ، وينظر إليك باستخفاف ؛ وقلما يرتدي ملابس جيّدة. وهو في التعليم الجامعي يحب قراءة الكتب التي تزيد عن 200 صفحة ولا يتردد في التباهي بذلك. ليس لديه أي أصدقاء حقًا ، فقط أشخاص على شاكلته. يعتقد أنه متفوق على الجميع. وعندما يحصل على نقطة 15/20 في الرياضيات، يبكي ويقول إنه سيتعرض للعقاب الشديد على يد والديه، ولا يفتأ يخاطب أستاذه : "سيدي ، هل لدينا واجب منزلي للغد..؟"
تلاميذ خلال إنجاز الدروس |
التلميذة المبتذلة المعتدة بنفسها
إنها ليست جميلة حقًا ، لكنها تعتقد أنها رائعة. لديها جسم مثير. تجيب على أسئلة المدرسين أو تحاول جذبهم علانية. إنها تصفف شعرها طوال الوقت. بعد الرياضة في الخزانات المخصصة للملابس ، لا تتردد في التباهي بملابسها الداخلية الجديدة . لا تستحق المستوى الحالي ، لكنها لا تهتم. في الشتاء ، ترتدي التنانير القصيرة والسراويل الضيقة ، وتخلط بين السراويل القصيرة والسراويل الداخلية، وقلما ارتدت وزرتها.
التلميذ الغبي
إنه مثير للضحك لدى زملائه. بين حين وآخر يرتكب عشرات الزلات في الدقيقة. يتعرض للطرد من الفصل ، لكنه لا يبالي ولا يهتم لذلك. يهين المعلمين. لا يفقه شيئا في دروسه. يتضايق من حصص الرياضيات ويصيح بملء فيه : "من هو هذا الأحمق الذي اخترع الرياضيات..؟"
التلميذة الجميلة المتحفظة
إنها جميلة ، لطيفة ، سهلة المنال ، ذكية. الكل طوع بنانها. إنها تراقب سلوكها جيداً ، وليس بطريقة استفزازية مثل التلميذة المبتذلة. لديها شعر طبيعي رائع. إنها تعرف كيف تكون متحفظًة ، فهي ليست وحدها أبدًا ولا تنزع عنها وزرتها أبدا. إنها تأكل أي شيء وكل شيء ، لكنها تبقى محافظة على نحافتها.
التلميذة العديمة الجدوى
إنها الفتاة التي لا طائل من ورائها ونشعر بالأسف من اجلها. إنها ترتدي ملابسها ، وتصفف شعرها بشكل سيء ، إنها غبية بعض الشيء ، والجميع يضحك عليها. تردد في دخيلتها بين حين وآخر : "سأقتل نفسي.. لا أحد يحبني على أي حال"..
التلميذ الخجول
وهو يجلس في الغالب في مؤخرة الفصل لأنه خجول ويخشى أن يدعوه أستاذه. لكنه شديد اليقظة والذكاء أثناء الحصة ، فهو يدون الملاحظات ولا ينطق بكلمة. قد لا تلاحظ وجوده أبدًا ، لكن من المحتمل أن يكون حاضرًا في الفصل ، وربما اعتُبر أحد أفضل الطلاب.
التلميذ المشارك النشط
هذا الصنف يرفع أصبعه دائمًا حينما يتعلق الأمر في بعض الأحيان بمشاركة تجربة شخصية قد تكون غير ذات صلة تمامًا أو للإجابة عن سؤال أو لدحض ما يقوله المعلم. المشاركة النشطة لهذا الطالب في الفصل لا تعكس بالضرورة درجته..
التلميذ النائم
وهو دائم الرقود في الفصل ؛ إنك لترى عينيه تبدآن في الانغلاق ويبدأ رأسه في الانخفاض شيئًا فشيئًا قبل أن يغرق في السباتً. وتستمر العملية حتى وصول مُنقذها : الجرس / نهاية الحصة.
تلميذ خارج التغطية
هو من لا ينتبه في الفصل لسبب أو لآخر. قد يكون هذا محرجًا بعض الشيء ، لأنه عندما يدعوه المعلم لا يجيب وأحيانًا لا تكون لديه أي فكرة عما يحدث.
التلميذ الكوميدي
النوع الآخر من الطلبة هو الذي يفخر بكونه مهرج الفصل. يوجد في كل فصل تقريبًا طالب يحب أن يكون مرحًا وفكاهيا؛ غير أنه أحيانًا ما يحب المعلم هذا النوع من التلاميذ وأحيانًا لا يحب.
التلميذ المعتدي العنيف
إن العنف في المدارس مشكلة عالمية لها عواقب سلبية على المتعلمين ولكن أيضًا على المجتمع ككل..
وكثيرا ما نسمع أو نرى في مواقع التواصل الاجتماعي عن اعتداء التلاميذ على مدرسيهم أو زملائهم بطرق عديدة كالاعتداء الجسدي او اللفظي..
ومن مواصفات التلميذ العدواني :
-عدم المبالاة والاهتمام بمخاطبه.
- ذو مزاج عكر متقلب بين حين وآخر.
- يستخدم أسلوب الهجوم ورفع الصوت.
- يتحدى الكل ويقف معاديا للحقيقة باستمرار.
- يحط من قيمة مخاطبه ويرفض أفكاره.
تلاميذ أمام السبورة
التلميذ المثالي
هو الشخص المثالي تمامًا .. يحبه المدرسون ، ويحبّه أقرانه ، ويحصل على درجات جيدة ، ويشارك كثيرًا في الأنشطة اللامنهجية. بشكل عام ، يشعر الجميع بالغيرة منه ، لكنهم لا يسعهم إلا أن يكنّوا له المحبة.
لا يزال في جعبتنا المزيد من غرائب وعجائب التلاميذ يصعب حصرها في هذا المقام ولا يدركها إلا من عايشها وتتبع خطواتها خطوة خطوة .. وعلى من يتولى أمر ناشئتنا ألا يعتبر أن ما يصدرعنهم مما أتينا على ذكره خارقا للعادة.. انه الطبيعة الإنسانية في مثل تلك المرحلة من العمر التي تستدعي الرعاية الكاملة والتعامل بحكمة وأسلوب تربوي ناجع وفعال...
صالح اهضير / بني ملال في دجنبر 2020
ليست هناك تعليقات:
ضع تعليقك اسفله إذا كان عندك استفسار..