((المرايا الصقيلة)) مجموعة قصصية لصالح اهضير
التعريف بالكتاب
لوحة الغلاف للفنان = محمد علوي محمدي..
تقديم الدكتور ابو بكر العزاوي.. جامعة المبدعين المغاربة..
نبذة من مقدمة أبو بكر العزاوي
وهذه نبذة من مقدمة الدكتور أبو بكر العزاوي :
تتميز قصص الأديب والمبدع صالح اهضير بميزات عديدة، منها جزالة اللغة وجمالية الأسلوب ودقة الوصف وبلاغة التصوير وسمات أخرى؛ ولكن ما استوقفني بشكل واضح في المجموعة هو مسألة العنوان، وأقصد هنا العنوان العام ((المرايا الصقيلة)) والعناوين الفرعية وعلاقتها بالنصوص. أقول هذا لأنه كان لي اهتمام منذ مدة طويلة بالعتبات النصية، ومنها مسألة العنوان (بنيته وأنماطه ووظائفه)، وأنجزت بحوثا عديدة في السياق. ومعلوم أن العنوان " Le titre " هو أحد العتبات النصية وأحد أنماط النصوص الموازية "Le paratexte" مثل التقديم والاستهلال والإهداء والغلاف وغيرها التي تشكل مفاتيح مغاليق النص. وقد يكون العنوان أهم هذه العتبات النصية، فهو بمنزلة الاسم الشخصي للكتاب أو العمل؛ وله وظائف عديدة، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: وظيفة التسمية، الوظيفة التعيينية، الوظيفة الإشهارية، ووظائف أخرى تتعلق بتلخيص النص أو إعطاء فكرة عن محتواه، أو تتعلق بفتح أفق الانتظار، وخاصة عندما يكون العنوان مقصودا، فيكون إذ ذاك ملخصا للنص المقصود وموجها لعملية القراءة والفهم والتحليل والتأويل، وهو ما ينطبق على العنوان العام لهذه المجموعة، وينطبق أيضا على العناوين الفرعية الداخلية" Les sous-titres" ، أي عناوين القصص القصيرة.
لقد كان المبدع والقصاص اهضير موفقا بشكل كبير في اختيار هذا العنوان؛ فهو عنوان دال ومعبر بشكل جيد عن مضامين ومحتويات القصص القصيرة التي تضمنتها هذه المجموعة من جهة، وهو ذو شحنة رمزية وفلسفية وجمالية من جهة أخرى.
وهذا العنوان " المرايا الصقيلة " هو الكلمة المفتاح لهذا العمل الإبداعي، وهو مفتاح إطار معرفي (cognitif) دلالي إحالي. ونستعمل هنا إطار بمعناها اللساني المعرفي حسب نظرية الأطر. (Frame theory)
عنوان المجموعة هو مركب وصفي، يتكون من لفظتين : " المرايا " و " الصقيلة "، موصوف وصفة؛ هذا حسب تركيب العنوان وبنيته، وإلا فإن الموصوف هو الواقع المعيش أو جوانب منه؛ والواصف هو القصاص، والوصف هو المجموعة القصصية؛ وأداة الوصف هي القص والسرد، هي المرآة الصقيلة تارة، والنظارة الملعونة تارة أخرى.
المرايا أنواع : مرايا ننظر منها إلى الذات ومرايا ننظر منها الى الآخر، إلى الواقع، إلى العالم برمته؛ هناك مرايا صقيلة وأخرى معتمة. النصوص الإبداعية التي اشتملت عليها هذه المجموعة هي مرايا صقيلة ومجلوة، وليست مرايا عادية؛ مرايا تمكننا من الرؤية العميقة والدقيقة والفاحصة للواقع والعالم الذي نعيش فيه، عالم المفارقات والتناقضات، عالم الحيرة والوهم والضياع والتشتت والمتاهات، عالم الظلم والاستبداد والصراعات. هذا الواقع تجليه وتبيّنه العناوين الفرعية للقصص القصيرة من جهة، وتبيّنه أيضا النصوص والقصص المتضمنة في هذا العمل بشكل أوضح وأكثر تفصيلا؛ ونذكر من هذه العناوين ما يلي (الفزاعة، السفاح ، العقوبة، الشَّرك، الديناصور، اغتيال على الشط القديم، الجلاد، الطريد، جسد بلا رأس، مطاردة في الاتجاه الشائك، زجاجة وكأس وسيجارة، أزهار ذابلة...).
ويمكن أن نطرح مجموعة من الأسئلة بهذا الصدد:
ما هي العلاقة القائمة بين العنوان العام للمجموعة القصصية والعناوين الفرعية الداخلية ؟ وما العلاقة الموجودة بين نصوص القصص القصيرة وعناوينها ؟ وما علاقة النصوص بالعنوان العام؟
الجواب هو أن هناك علاقة وثيقة بين كل هذه العناصر، خاصة وأن عنوان المجموعة عنوان مقصود ومعبرعن المحتوى؛ وعندما يكون الأمر كذلك، فإن العنوان يكون ملخصا للنص، والنص يكون تمطيطا له. وعندما نقرأ نصوص هذه المجموعة، فإننا نلاحظ أن كل عنوان من عناوين هذه القصص القصيرة يشير إلى مضمون النص الذي هو كشف ووصف وتصوير لجانب مظلم ودامس من الواقع الذي نعيش فيه. النصوص الواردة في المجموعة هي مرايا صقيلة ومجلوة نبصر بها الجوانب المعتمة والمظلمة والدامسة من الواقع، وهي على الأصح نظارات ملعونة ومقيتة نشاهد بها هذا الواقع الملعون والمقيت هو الآخر؛ وليست النظارات ملعونة لذاتها وفي ذاتها، وإنما أصبحت ملعونة لأنها مكنتنا من رؤية الواقع الملعون والمقيت، بكل تناقضاته ومفارقاته (الاغتيال، الظلم، السفاح، الطريد، الجلاد...).
بعض العناوين الفرعية للنصوص تندرج بشكل مباشر ضمن العنوان العام (النظارة الملعونة، عاشق المرآة...).
المعجم اللغوي الذي وظفه القصاص في نصوصه الإبداعية، نجد فيه عددا كبيرا من ألفاظ البصر بما هي حقل دلالي معجمي؛ وكل لفظة من هذه الألفاظ تستعمل بشكل كبير وملفت للنظر، قد نجدها في كل صفحة، نذكر من هذه الألفاظ : (نظر- رأى- أبصر- شاهد - أمعن - تأمل - تمعن – حدق - أدرك...إلخ).
وردت كلمة " نظر" في المجموعة بمشتقاتها العديدة والمتنوعة ( نظر- النظارة - المنظور- الأنظار - النظارات...).
وكل هذه الألفاظ والوحدات المعجمية المنتمية إلى حقل دلالي ومعجمي محدد هو " ألفاظ البصر"، الذي هو جزء من حقل معجمي أكبر هو " ألفاظ الإدراك" لها صلة بعنوان الكتاب، ولها علاقة وثيقة بموضوعه الأساسي الذي هو المرآة والنظارة التي ننظر بواسطتها إلى الواقع والعالم؛ وكل هذا لم يرد في نصوص المجموعة عبثا واعتباطا، وبمحض الصدفة، وإنما كان بقصد وإرادة وحسن توظيف وجودة استعمال، وحتى يكون هذا العمل معبرا عن مضمونه بشكل جيد، وبصورة صادقة، معبرا عنه بكل عناصره ومكوناته (العنوان، المعجم، الصور، التعابير، القصص...إلخ) .
وفي الختام أقول إن هذه المجموعة القصصية فعلا مرآة صقيلة ومجلوة وكاشفة لجوانب مظلمة من واقعنا ومجتمعنا؛ وهو عمل فني وإبداعي متميز، وفيه من خصائص الجودة والإبداع والتميز الشيء الكثير. وقد استمتعت بقراءته أيما استمتاع، وأنا أهنئه على هذا الإنجاز، داعيا له بالتوفيق، وبالمزيد من العطاء والتألق والإبداع، وما ذلك على همته بعزيز، والله الموفق للصواب...
وكتبه عبد ربه أبو بكر العزاوي
يوم الأحد 7 غشت 2022
الموافق لـ 9 محرم 1444
ليست هناك تعليقات:
ضع تعليقك اسفله إذا كان عندك استفسار..