بـَـقـَـرَتُــنـَـا اَلْــبَاكِــيَّـةُ..!!!
بقرتنا الباكية، هي من نوع خاص.. من فصيلة لا نظير لها ولا مثيل بين كل فصائل بقرات الدنيا.. في كل الأماكن و في كل الأزمان..
فهي ليست بتلك البقرة الصفراء، الفاقع لونها، والتي نحرها الناحرون من بني إسرائيل، بأمر إلهي، فنالت بذلك شرف وفضل الشهادة، لأنها أعطت الدليل القاطع والبرهان الساطع على المعجزة الربانية في الحياة والموت والبعث..
وهي بقرة لا تمت للبقرة الهندية المقدسة بصلة.. البقرة التي عبدها العابدون وقدموا لها القرابين، وانحنت لها رؤوسهم، إجلالا وإكبارا، وتعهدوها بأحسن ما تكون الرعاية، وبأفضل ما يكون الاهتمام، واعتبروا ذبحها أو الإساءة إليها خطيئة عظمى.
وهي بقرة لا تمت للبقرة الهندية المقدسة بصلة |
ما أبعد بقرتنا عن البقرة الناطقة..! البقرة التي هشمت الحواجز القائمة بين عالم الحيوان وعالم الإنسان.. بين عالم الحيوان الأعجم وعالم الحيوان الناطق.. وذلك عندما انفكت عقدة لسانها وأفصحت بالقول عما يضيرها.. قالت : " إِنِّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنا لِلْحَرْثِ.."، حدث ذلك حينما همّ رجل بأن يتخذها مطية لركوبه..هذا ما تناقلته ألسنة رواة الحديث منذ عصر النبوة..
وبقرتنا الأليفة،المحكوم عليها بأن تظل أبد الآبدين رهينة التسلط والقهر الآدمي، شتان ما بينها وبين البقرة الوحشية والبقرة البحرية.. فلكل واحدة من هذا الصنف الحيواني عالمها الخاص، تنعم فيه وتشقى، بعيدا عن لهف الأطماع البشرية، على الأقل، إلى حدود معلومة..
إن بقرتنا دائمة البكاء والنحيب.. وكيف لها أن تسعد بالحياة وتحظى فيها، وإن بلحظة انفراج، لتنفرج شفتاها عن ابتسامة عابرة أو ضحكة مفعمة بالحيوية على غرار تلك البقرة التي رسمت الشركات الإعلانية والمؤسسات الإشهارية على محياها ضحكة عريضة، وعلقت في أذنيها أقراطا، رمزا للعطاء الوفير ولجودة المنتوج..؟!
إن بقرتنا دائمة البكاء والنحيب |
إن بقرتنا المعنية ليست من هذا النوع اوذاك.. هي، كما أسلفنا، من فصيلة خاصة وذات ميزات فريدة.. وإذا ما وقعتم في حيص وبيص أواختلط الحابل بالنابل في قعر مخيلتكم، أو التبس عليكم الأمر وتشابه عليكم البقر، فسأخبركم الخبر اليقين عن ماهيتها وحقيقتها:إنها بقرة بهت لونها، وخشن ملمسها، وازداد خوارها، وخارت قواها، وجف ضرعها، ونضبت ألبانها وأجبانها، وعم سائر جسدها الترهل والهزال، حتى كادت أن تستحيل إلى هيكل من الهياكل العظمية.. إنها تبكي بكاء مرا يحير النفوس ويرج القلوب التي في الصدور!.. كل ذلك حينما امتدت إليها بشراسة أيد آثمة لطغمة من الجشعين والناهبين والمتسلطين الذين كشروا عن أنيابهم وتناولوها نهشا بالأظافر والأضراس.
وفي الوقت الذي تساءل فيه كل ذي حاجة عن حاجته، وطالب كل ذي حق بحقه ونصيبه مما كانت تذره بقرتنا المنكوبة ولا تزال، ما بقيت فيها ذرة من حياة، من خير عميم ورزق وفير وعطاء غزير، كانت الردود والتبريرات سخيفة وواهية ومخيبة للآمال.. لا تقوم على أساس من الحكمة والإقناع ولا تخضع لمنطق أو عقل.. لقد قيل لهؤلاء وأولئك في عبارة واحدة وبلا تردد :
- إنها السنوات العجاف..
- إنها الأزمة الاقتصادية..
- إنها الأزمة العالمية..
- إنها توصيات البنك الدولي..
- إنه الداء العضال الذي أصاب البقر...
بقرة رسمت الشركات بالإعلانية على محياها ضحكة عريضة |
بقلم : صلاح اهضير
شكرا لك .. الى اللقاء
ليست هناك تعليقات:
ضع تعليقك اسفله إذا كان عندك استفسار..